عمل أهل البدع في الفرقة بين المسلمين واعتمادمهم على حسن النية
ثم إن كثيراً من الفرق ومنها الخوارج -أوضح مثالاً على ذلك- لم يتهمها أحد من العلماء، ولا حتى في الأحاديث التي وصفهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء النية، وإنما اتهمهم بالغلو؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وعبادتكم إلى عبادتهم)، أي: أنهم مجتهدون في العبادة، حتى أنه أصبح علم يقال على كل من خرج: خارجي، وكان بعض السلف يسمي أهل الأهواء خوارج كما روى اللالكائي رحمه الله، وكل أهل الأهواء يمكن أن يسموا خوارج ؛ لأنهم خرجوا عن الجماعة، والجماعة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهؤلاء الخوارج لم يكونوا سيئي النية بالدين كما كانت السبئية و الروافض الأولون ومن شابههم مثلاً، إنما كان عن حسن نية أو عن اجتهاد يرون أنه الصواب، لكنهم لما خرجوا عن الجماعة وفرقوا صفوف المسلمين وقع البلاء، واستحقوا الوعيد والعقوبة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسم فرقة ويصفها بكامل أوصافها كما حدث ذلك في الخوارج ، مع أنه روي بعض الأحاديث في القدرية وفي المرجئة ، لكن الغالب والظاهر أنه لم يصح شيء منها كما بين ذلك ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه الموضوعات وغيره في كتب الموضوعات والعلل، والمقصود أن الخوارج لا يمكن لأحد أن يتهمهم بسوء النية، ولهذا لا نسمح لمن يفرق صفوف أهل السنة والجماعة المجتمعين على الحق، وعلى الكتاب والسنة، والساعين إليه الراغبين فيه، وإن أخطأ من أخطأ وقصر من قصر مثلاً، فلا يسمح لأحد بتفريق صفوفهم ولو كان حسن النية، إذ إن حسن نيته له، لكن سوء عمله على الأمة، فخلاصة هذه الأمة هم أهل السنة والجماعة المتبعون للسلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، فإذا وقع الشقاق بينهم، وتعادوا أو تهاجروا ضاع هذا الدين، وضاعت هذه الأمة، لكن ما دام أن كل أحد يريد الحق والخير، ويريد الكتاب والسنة، ويريد أن يصل باجتهاده إلى ما يرضي الله عز وجل، فمهما خالفك في الاجتهاد، ولو ظللت أنت وهو تبحثان المسألة شهوراً أو دهوراً، فلا يجوز لك أن تفرق صف المسلمين، وأن تخرجه عن أهل السنة ، وأن ترميه بالابتداع والضلال؛ لأن هذا من البغي والعدوان الذي ذكره الشيخ هنا، والله سبحانه وتعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ))[النحل:90]. يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: هذه أجمع آية في كتاب الله فيما يتعلق بالحلال والحرام والخلف، لا فيما يتعلق بأصول الاعتقاد والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه سن أن تكون نهاية الخطبة بدل ما كان يتلفظ به من قبله، فقد كانت كل طائفة تبغض الأخرى أو تحذر منها أو بل ربما لعنتها، فجعلت هذه الآية الجامعة المانعة: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ))[النحل:90].